1984
عن الرواية:
صدرت رواية “1984″ في عام 1948, وهي رواية سياسية دسيوتوبية, ومصطلح
“يوتوبيا” يعني “العالم المثالي”, أو بالأخص “الحضارة المثالية” وخصوصاً في
الجانب السياسي والاجتماعي منها, ومصطلح “دسيوتوبيا” يشير للفكرة المعاكسة
من ذلك؛ والتي تعني المجتمع القائم على القمع والاستبداد.
الرواية عبارة عن تصور وتحذير لمستقبل من الوارد جداً حدوثه, وتاريخ نشر
الرواية هو في غاية الأهمية؛ فعنوان الرواية بالنسبة لتاريخ نشرها يلمّح
بأن السيناريو المستقبلي المخيف المذكور فيها قد لا يكون بعيداً, بل إن
العديد من المفكرين يظنون أنه قد تحقق جزء كبير منه, والعقبة التي تحول دون
تحققه كلياً هي مجرد عقبة تكنولوجية؛ وبشيء من التطور العلمي والتكنولوجي
قد يصبح عالمنا – إن لم يكن كذلك الآن – مثل عالم “1984″.
تبدأ الرواية بالطبع في عام 1984 حيث العالم منقسم لثلاث دول: الدولة
الأولى هي “أوشيانيا” (تمت ترجمتها لـ “أوقيانيا”), وهي عبارة عن
الأمريكيتين واستراليا والجزر البريطانية. والدولة الثانية هي “أوراسيا”,
وأراضيها هي روسيا والباقي من أوروبا. والدولة الثالثة هي “إيستاسيا”
وتتكون من الصين واليابان وكوريا وشمال الهند. أما بالنسبة للشرق الأوسط,
وجنوب الهند, وأفريقيا, فهي عبارة عن ساحات حرب ومناطق متنازع عليها من قبل
هذه الدول الثلاث.
أحداث الرواية تدور في دولة أوشيانيا حيث الأيدلوجية هناك هي الاشتراكية
الإنجليزية أو ما يسميه الحزب الداخلي بـ (الإنجسوك), وحيث المجتمع هناك
مقسم لثلاث طبقات: طبقة “الحزب الداخلي” ونسبتها اثنان بالمئة من السكان,
وطبقة “الحزب الخارجي” ونسبتها ثلاثة عشرة بالمئة منهم, وأخيراً توجد طبقة
“العامة”, وفوق هذه الطبقات كلها يوجد الحاكم المسيطر المستبد “الأخ
الأكبر”؛ هذه الشخصية التي أصبحت من أكثر الشخصيات الروائية شهرة, بل إنها
أصبحت رمزاً لأي عملية استبداد أو تجسس أو قمع. وبالمناسبة, سبب تسمية
البرنامج التلفزيوني الشهير “الأخ الأكبر” بهذا الاسم هو عملية المراقبة
الدائمة على المشاركين فيه.
في هذه الرواية يثبت جورج أورويل أنه ليس أديباً فذاً فقط, بل يثبت أنه
مفكر سياسي حاذق, فهو لم يكتفي بتحليل الفكر الاستبدادي وتحليل طريقة عمله,
بل تجاوز ذلك ليتنبأ لنا بنبؤة مستقبلية متكاملة مذهلة لما سوف يؤول إليه
هذا الفكر إن استمر حاله على ما هو عليه. هذا النوع من الفكر يستخدم ما
يحلو لي تسميته (الداروينية الاستبدادية)؛ فهو بمرور الوقت يتخلص من نقاط
ضعفه التي تطيح به عادة, وأيضاً بمرور الوقت يعزّز أوجه قوته كي يكسب أعضاء
جديدة يسيطر بها على العامة وعلى الثورات والانقلابات المحتملة؛ فأفكار
الأخ الأكبر في هذه الرواية تختلف تماماً عن الأفكار الاستبدادية
التقليدية, فهو يتعامل مع الشعارات والهتافات والتسميات بطريقة مختلفة,
ويتعامل مع الثوار والمنشقين بطريقة مختلفة, ويتعامل مع طبقات المجتمع
والحروب والثروات والتقنية بطريقة مختلفة, بل أنه يفهم فكرة “السلطة”
وغايتها وتطبيقها بشكل مختلف, يتعامل الأخ الأكبر مع هذه الأفكار ويفهمها
بطريقة جديدة متطورة تضمن له أن يكون نظامه السياسي غير قابل للهزيمة؛
ويبدو لي أننا بقليل من التعديلات نستطيع تحويل الرواية لكتاب من نوع
(الطغيان للمبتدئين).
في أوشيانيا يستبد الحزب الداخلي بقيادة الأخ الأكبر استبداداً مذهلاً
وجباراً على باقي الطبقات؛ فهو يزرع شاشات الرصد في كل مكان؛ وهذه الشاشات
مهمتها مراقبة الشعب ونشر الأخبار الملفقة وإصدار الأوامر للأفراد, ويزرع
الحزب الميكروفونات في كل مكان لرصد كل همسة من الشعب, بل ويتجاوز الحزب
ذلك ويعمد لتحطيم العلاقات الأسرية لإفناء كل ولاء ليس موجه له, ويعمد أيضا
لإذلال العملية الجنسية بجعلها مجرد وسيلة لخدمته وبتجريدها من أي رغبة أو
وله أو عاطفة كؤاد لأي احتمال لنشوء ولاء لغير الأخ الأكبر. ثم يتفوق
الحزب في استبداده على نفسه ليصل لمرحلة الاستبداد العقلي فيسيطر على
اللغة, ويدمر, ويعيد تركيب كلماتها, بل ويصنع لغة جديدة, ويمنع الاتصال
بالحضارات الأخرى, ويحرّف التاريخ, ويلفّق الماضي, ويقلب الحقائق, حتى تتوه
العقول فلا تجد إلا الحزب كحقيقة ثابتة تستطيع أن تؤمن بها.
في المشهد الافتتاحي للرواية نرى المواطن “ونستون سميث”, والذي يعمل في
وزارة الحقيقة (وزارة الإعلام) والتي, بشكل ساخر, مناطه بتزييف الحقائق,
نرى هذا المواطن وهو يدخل غرفته وقد أصابه الإحباط من دكتاتورية الحزب, ومن
أسلوب الحياة الذي يفرضه. يفتح حينها دفتر كان قد اشتراه بشكل غير شرعي
ليبدأ في تدوين أفكاره؛ وهو مدرك أنه ابتداء من هذه اللحظة قد صار في عداد
الموتى, فمجرد عملية التفكير يعتبرها الحزب جريمة تستحق الموت ويسميها
“جريمة الفكر”, يكتب ونستون في دفتره أنه يكره الأخ الأكبر, ثم يبدأ
التفكير بـ “أوبراين”, وهو أحد أعضاء الحزب الداخلي الذي شعر ونستون أن
ولاءه للحزب ليس تاماً, فقد شك ونستون أن أوبراين ينتمي لأخوية شديدة
السرية والغموض تعمل ضد الحزب, ثم يفكر بعد ذلك في “غولدشتاين” عدو الحزب
الأول, والذي كان أحد أهم أعضائة ولكنه تأمر عليه وحكم عليه بالموت ولكنه
استطاع الهرب وأصبح يشكل قلقاً كبيراً للحزب.
انتهى ونستون؛ هذه الأفكار المجردة تعني مؤت زؤام مؤكد, لذا لم يعد لديه شيء يخسره, فالمرء في كل الحالات لن يُقتل إلا مرة واحدة ..
ومن هنا تبدأ الرواية؛ ويبدأ استعراض القمع والتسلط والطغيان والدكتاتورية
والاستبداد, ويبدأ استعراض الريبة والقلق والاضطراب والجزع, الحزب في كل
مكان, الحزب في كل فرد, أو كما يقول ونستون: لم يعد هناك مكان آمن سوى
سنتيمترات معدودة في الجمجمة.
رواية “1984″ كان لها تأثير كبير على روايات عديدة؛ فقد أثرت في رواية
“فهرنهايت 451″ لـ “راي برادبوري”, و”الرجل الراكض” لـ “ستيفن كنج”, و
“البرتقالة الميكانيكية” لـ “أرثر بيرجس”, ومن جهة أخرى كان لرواية “نحن”
للأديب الروسي” يفنجي زامياتين” ورواية “عالم جديد شجاع” لـ “ألدوس هكسلي”
تأثيراً كبيراً على جورج أورويل أثناء كتابته لهذه الرواية.
أيضاً كان لهذه الرواية تأثير كبير على اللغة الإنجليزية؛ فقد شاع استخدام
العديد من المفردات التي ابتكرت في هذه الرواية مثل: (الأخ الأكبر - Big
Brother), (الغرفة 101 - Room 101), (شرطة الفكر - Thought police), (
التفكير المزدوج- Doublethink), ( اللغة الجديدة – Newspeak), بل لقد درج
استخدم مصطلح (أورويلي – Orwellian) كطريقة لوصف الحالات, أو المشاهد, أو
الأفكار, أو طرق التحدث التي تشبه ما جاء في أعمال أورويل عموماً وهذه
الرواية خصوصاً.
العنوان الأصلي لهذه الرواية كان “أخر رجل في أوروبا” ولكن الناشر اقترح
على أورويل تغييره, وبالرغم من المحاولات العديدة لتفسير سبب اختيار أورويل
لعام “1984″ بالضبط كي يكون عنواناً للرواية, إلا أنها كلها غير مؤكدة,
والاقتناع السائد الذي يُذكر غالباً بهذا الخصوص أن عنوان الرواية هو عكس
لأخر رقمين من سنة 1948, وهي السنة التي أتم فيها أورويل كتابة الرواية
والتي استغرقت كتابتها ثلاث سنوات بداية من 1945, ونشرت في عام 1949.
ترجمت هذه الرواية لـ 62 لغة, وبمناسبة الحديث عن الترجمات فإني أقدم جزيل
الشكر للأستاذ “أنور الشامي” لترجمته الرائعة لهذه الرواية.
جدير بالذكر أن مجلة “التايم” اختارت هذه الرواية كواحدة من أفضل 100 رواية
كتبت بالإنجليزية من عام 1923 وحتى عام 2005, هذا بالرغم من أنها منعت في
الكثير من الدول والكثير من المكتبات حين صدورها باعتبارها رواية خطره
سياسياً.
مما لاشك فيه أن جورج أورويل استوحى الكثير من سمات “الأخ الأكبر” من
القائد الثاني للاتحاد السوفيتي “جوزيف ستالين”, واستوحي الكثير من سمات
مجتمع “أوشيانيا” من مجتمع “الاتحاد السوفيتي” حينذاك, حتى شخصية المنشق
“إيمانويل غولدشتاين” مستوحاة من المثقف الثوري الماركسي “ليون تروتسكي”
الذي طرد من الحزب الشيوعي وأبعد عن الاتحاد السوفيتي.
اسم “جورج أورويل” الحقيقي هو “أريك أرثر بلير”, ولد في عام 1903 في الهند
لأن والده كان يعمل هناك, بقي أورويل هناك حتى عاد – “ذهب” إذا تحرينا
الدقة - مع أمه في سن الثامنة عشرة لبريطانيا, وبالرغم من أنه أتم تعليمه
العام, وكان أداءه في الامتحانات جيداً, إلا انه لم يرغب بمواصلة تعليمه
الجامعي, وفضل أن يذهب للعمل في الشرطة الاستعمارية في الهند, وهو العمل
الذي تركه بعد خمس سنوات وعاد لأوروبا, كان مقته للاستعمار البريطاني الذي
يعمل له وعشقه للكتابة هما سببا تركه لهذا العمل, وقد قرر عندما عاد
لأوروبا أن يعيش حياة الفقراء, وقضى عاماً كاملاً يعيش معهم ويراقبهم,
ليكتب بعد ذلك تقريره (متشرداً في لندن وباريس), ومن هنا نفهم سبب تغييره
لأسمه؛ فهو يريد التخلص من شخصية الرجل الاستعماري الذي كانه ليصبح جورج
أورويل اللاطبقي (أورويل: اسم نهر في الهند قرب المنطقة التي ولد فيها),
وفي عام 1936 توجه أورويل لأسبانيا التي كانت تشهد حرباً أهليه كي يعمل
كمراسل صحفي فيها, لكنه التحق بالمليشيات المحاربة للفاشية وأصبح يقاتل من
أجل الاشتراكية, وتعرض أثناء ذلك لجرح خطير في عنقه, وقد دون خبراته هذه في
كتاب (الحنين إلى كاتالونيا), وأثناء الحرب العالمية الثانية عمل كمراسل
لمحطة (بي بي سي), وأثناء الحرب أيضاً كتب روايته الرائعة الشهيرة (مزرعة
الحيوانات), وفي أخر سنيه كتب روايته “1984″ وتوفي بعد نشرها بأقل من عام
في 1950.
تم تحويل الرواية لفيلم سينمائي, وقد كان توقيت عرض الفيلم مثير جداً؛ فقد
صدر الفيلم في عام 1984, وفي ذلك العام أيضاً أصدرت شركة “Apple” جهازها
“ماكنتوش” وروّجت له بإعلان شهير جداً مستوحى من رواية 1984, تظهر فيه شركة
IBM”” كأنها “الأخ الأكبر” وهو يتحدث للشعب من على إحدى الشاشات الكبيرة,
وتظهر شركة “Apple” كأنها فتاة تجري حاملة مطرقة, والجنود يطاردونها, ثم
تحطم الفتاة الشاشة, بعد ذلك يظهر شعار الإعلان, وقد كان: شركة أبل سوف
تقدم لكم ماكنتوش وسوف تعرفون لماذا 1984 لن يشبه “1984″.